الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.فتح الحيرة. ثم سافر خالد إلى الحيرة وحمل الرجال والأثقال في السفن وخرج ابن زيان من الحيرة ومعه الأزادية فعسكر عند الغريين وأرسل ابنه ليقاطع الماء عن السفن فوقفت على الأرض وسار إليه خالد فلقيه على فرات باذقلا فقتله وجميع من معه وسار نحو أبيه على الحيرة فهرب بغير قتال لما كان بلغ من موت أردشير كسرى وقتل ابنه ونزل خالد منزله بالغريين وحاصر قصور الحيرة وافتتح الديور وصاح القسيسون والرهبان بأهل القصور فرجعوا على الاباية وخرج إياس بن قبيصة من القصر الأبيض وعمرو بن عبد المسيح بن قيس بن حيان بن بقيلة وكان معمرا وسأله خالد عن عجيبة قد رآها فقال: رأيت القرى ما بين دمشق والحيرة تسافر بينهما المرأة فلا تتزود إلا رغيفا واحدا ثم جاءه واستقرب منه ورأى مع خادمه كيسا فيه سم فأخذه خالد ونثره في يده وقال ما هذا؟ قال خشيت أن تكونوا على غير ما وجدت فيكون الموت أحب إلي من مكروه أدخله على قومي فقال له خالد: لن تموت حتى تأتي على أجلها ثم قال: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء وابتلع السم فوعك ساعة ثم قام كأنما نشط من عقال فقال عبد المسيح: لتبلغن ما أردتم ما دام أحد منكم هكذا ثم صالحهم على مائة أو مائتين وتسعين ألفا وعلى كرامة بنت عبد المسيح لشريك كان النبي صلى الله عليه وسلم عرف بها إذا فتحت الحيرة فأخذها شريك وافتدت منه بألف درهم وكتب لهم بالصلح وذلك في أول سنة اثنتي عشرة..فتح ما وراء الحيرة. كان الدهاقين يتربصون بخالد ما يصنع بأهل الحيرة فلما صالحهم واستقاموا له جاءته الدهاقين من كل ناحية فصالحوه عما يلي الحيرة من الفلاليح وغيرها على ألف ألف وقيل على ألفي ألف سوى جباية كسرى وبعث خالد ضرار بن الأزور وضرار بن الخطاب والقعقاع بن عمرو والمثنى بن حارثة وعيينة بن الشماس فكانوا في الثغور وأمرهم بالغارة فمخروا السواد كله إلى شاطئ دجلة وكتب إلى ملوك فارس: أما بعد فالحمد لله الذي حل نظامكم ووهن كيدكم وفرق كلمتكم ولو لم نفعل ذلك كان شرا لكم فادخلوا في أمرنا ندعكم وأرضكم ونجوزكم إلى غيركم وإلا كان ذلك وأنتم كارهون على أيدي قوم يحبون الموت كما تحبون الحياة وكتب إلى المرازبة: أما بعد فالحمد لله الذي فض حدتكم وفرق كلمتكم وجفل حرمكم وكسر شوكتم فأسلموا تسلموا وإلا فاعتقدوا مني الذمة وأدوا الجزية وإلا فقد جئتكم بقوة يحبون الموت كما تحبون شرب الخمر انتهى..وكان العجم مختلفين بموت أردشير وقد أزالوا بهمن حاذويه فيمن سيره في العساكر فجبى خالد خراج السواد في خمسين ليلة وغلب العجم عليه وأقام بالحييرة سنة يصعد ويصوب والفرس حائرون فيمن يملكونه ولم يجدوا من يجتمعون عليه لأن سيرين كان قتل جميع من تناسب إلى بهرام جور فلما وصل كتاب خالد تكلم نساء آل كسرى وولوا الفرخزاد بن البندوان إلى أن يجدوا من يجتمعون عليه ووصل جرير ابن عبد الله البجلي إلى خالد بعد فتح الحيرة وكان مع خالد بن سعيد بن العاص بالشام ثم قدم على أبي بكر فكلمه أن يجمع له قومه كما وعده النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا أوزاعا متفرقين في العرب فسخط ذلك منه أبو بكر فقال: تكلمني بما لا يعني وأنت ترى ما نحن فيه من فارس والروم وأمره بالمسير إلى خالد فقدم عليه بعد فتح الحيرة. .فتح الأنبار وعين التمر وتسمى هذه الغزوة ذات العيون. ثم سار خالد على تعبيته إلى الأنبار وعلى مقدمته الأقرع بن حابس وكان بالأنبار شيرزاد صاحب ساباط فحاصرهم ورشقوهم بالنبال حتى فقأوا منهم ألف عين ثم نحر ضعاف الإبل وألقاها في الخندق حتى ردمه بها وجاز هو وأصحابه فوقها فاجتمع المسلمون والكفار في الخندق وصالح شيرزاد على أن يلحقوه بمأمنه ويخلي لهم عن البلد وما فيها ببهمن حاذويه ثم استخلف خالد على الأنبار الزبرقان ابن بدر وسار إلى عين التمر وبها بهرام بن بهرام جوبين في جمع عظيم من العجم وعقبة بن أبي عقبة في جمع عظيم من العرب وحولهم طوائف من النمر وتغلب وإياد وغيرهم من العرب وقال عقبة لبهرام: دعنا وخالدا فالعرب أعرف بقتال العرب فتركه لذلك واتقى به وسار عقبة إلى خالد وحمل خالد عليه وهو يقيم صفوفه فاحتضنه وأخذه أسيرا وانهزم العسكر عن غير قتال وأسر أكثرهم وبلغ الخبر إلى بهرام فهرب وترك الحصن وتحصن به المنهزمون واستأمنوا لخالد فأبى فنزلوا على حكمه فقتلهم أجمعين وعقبة معهم، وغنم ما في الحصن وسبى عيالهم وأولادهم وأخذ من البيعة وهي الكنيسة غلمانا كانوا يتعلمون الإنجيل ففرقهم في الناس منهم: سيرين أبو محمد ونصير أبو موسى وحمران مولى عثمان وبعث إلى أبي بكر بالفتح والخمس وقتل من المسلمين عمير ابن رباب السهمي من مهاجرة الحبشة وبشير بن سعد والد النعمان.ولما فرغ خالد من عين التمر وافق وصول كتاب عياض بن غنم وهو على من بإزائه من نصارى العرب بناحية دومة الجندل وهم بهرام وكلب وغسان وتنوخ والضجاعم وكانت رياسة دومة لأكيدر بن عبد الملك والجودي بن ربيعة يقتسمانها وأشار أكيدر بصلح خالد فلم يقبلوا منه فخرج عنهم وبلغ خالد مسيره فأرسل من اعترضه فقتله وأخذ ما معه وسار خالد فنزل دومة وعياض عليها من الجهة الأخرى وخرج الجودي لقتال خالد وأخرج طائفة أخرى لقتال عياض فانهزموا من الجهتين فأغلق دونهم وقتل الجودي وافتتح الحصن عنوة فقتل المقاتلة وسبى الذرية.
|